بين الدين والعلم



"أنا جاليليو جاليلية , أجثو أمامك وأقسم أمامك بأننى أمنت دائماً كما أؤمن الأن بمساعدة الله بما تمثلة وما تُبشِر به الكَنيسة الكاثوليكية المُقدَسة , أقسم بإيمان صادق وبقلب خالص أن ألعن وأزدرى كل ما كتبت من هرطقات    "
هكذا وخوفاً من بطش كنيسة العصور الوسطى , وخوفاً من عقوبة تهمة الهرطقة وهى الإعدام ,  أنكر جاليليو كما أنكر من قبلة كوبرنيكوس أفكارهم الثورية فى علم الفلك , وهكذا دُفنِت لمدة مائتى عاماً أو أكثر نظرية مُعترَف بها الأن من قبل جميع علماء الفلك وهى النظرية المعروفة بنظرية "كوبرنيكوس" – بالرغم أن أول من نادى بها هو أريستاكوس فى القرن الثالث الميلادى –
بالطبع لن نعيش مأساة كوبرنيكوس مرة أخرى ,   فمن حسن الحَظ أننا لم نعُد فى العصور الوسطى , ولم يَعُد للكنيسة أو للاهوت عموماً النفوذ نفسة وتلك الهيمنة الواسعة , لكن مازال يُنظرَ للعلم والدين على انهما طرفان فى صراع وأن أحدهما لن يهدأ إلا بالقضاء على الأخر ,  لكن كيف نشأ هذا الصراع وهل ظهر العلم أصلاً بهدف مُعارضِة الدين ؟ أو هل الوقوف ضد الدين هو  شُغل العلماء الشاغل ؟
لم يظهر العلم بالطبع كمعارض للدين  بل ظهر العلم كمنهج جديد لتفسير الحياة وظواهرها ,
منهج قائماً على إعمال العقل والتفكير الموضوعى , لتقديم أجوبة عن طريق الملاحظة والتجريب أقرب للمنطق لأسئلة طالما شغلت الإنسان منذ بداية البشرية حتى الأن .
- طبيعة الصراع بين الدين والعلم
الدين الشخصى لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع العلم , بل يُمكِن للدين الشخصى أن يحيا
 حتى فى أزهى العصور المُتقدَمة علمياً  طالما أنه لا يتورط فى دحض أى نظريات يؤكدها العلم ,
ولكن تظهر المُشكلة عندما تتعارض بعض النصوص الموجودة فى الكتب المقدسة مع ما يتوصل له العلم من نتائج ,
 فحين حاول العلماء الإجابة عن أسئلة مثل كيف وُجِد الإنسان على الأرض ؟ وكيُف وُجِد الكون ؟
 وما طبيعتة ؟ ومتى وُجِد ؟ وما مصير الإنسان ؟ وماذا ينتظرة بعد الموت ؟
توصلوا لنتائج تعارضت مع الأجوبة التى تُقدِمها الكُتَب المقدسة "التوراة , الإنجيل , القرأن"
 والتى تتشابة أجوبتها كثيراً والتى يؤمن أتباعها بأن كل ما كُتِب فيها إنما هو كلام الله وغير قابل للجدل  ,
فحين نادى أريستاكوس ومن بعدة كوبرنيكوس وجاليليو  بأن الشمس هى مركز الكون وليس الأرض
وأن الأرض هى التى تدور حول الشمس تعارض ذلك مع قول الكتاب المقدس أن الأرض هى مركز الكون ,
 وحين نشر داروين كتابة أصل الأنواع عام 1859 ,عارض ذلك ما تُخبِرنا به الكتب المقدسة
 بأن الله هو الذى خلق جميع الكائنات الحية وخلق كل ما يوجد فى الكون ,
 وحين توصل علماء الجولوجيا إلى تقدير عمر الأرض بـ 4.5 مليار سنة عارض ذلك قول الكتاب المقدس
بأن عمر الأرض هو 6000 سنة فقط , وغيرها من القضايا التى أثارت حَفيظة وغضب رجال الدين  والتى تحولت لمعارك خاضها الدين 
مع العلم منذا العصور الوسطى
 ومازالت قائمة حتى الأن , وليس هناك ما يُثير الدهشة فى أن عدد المقتنعين بأجوبة الكتب المقدسة
ما زال أكثر من أتباع العلم وأن تأثير الدين ما زال أقوى من تأثير العلم ,
 فالدين موجود منذ بداية البشرية , ولكن العلم لم يظهر إلا فى القرن السادس عشر
بعد وجود مُتقطِع عِند الإغريق والعرب , وبالتالى فإن الدين يمتلك النفوذ الأقوى مُستغلاً ذلك
فى التضييق على العلم وفى نبذ كل ما يتوصل له العلم من نتائج تتعارض مع ما ذُكِر فى الكتب المقدسة ,
ونحن الأن فى القرن الواحد والعشرين ومازال أغلب الناس
 يرفضون ما يُقدمة العلم من إجابات اقرب للمنطق والعقل لمجرد تعارُضِها مع ما ورد فى كتبهم المقدسة ,
 ولا يهم إن كان ما تقدمة الكتب المقدسة من أجوبة منافية للعقل وللمنطق , فالعلم يتوصل للإجابة عن طريق منهج محدد وعن طريق الملاحظة والتجريب والتفكير الموضوعى والعقلانية ,
أما طريق الدين فطريقاً سهل يرجع كل شيئ إلى الله ولا يقبل النقاش فى هذة الأمور بل ويُنفِر من مجرد التفكير فيها ,
 ولكن رغم من محاولات الدين المستمرة للتتضييق على العلم منذ العصور الوسطى
 وحتى الأن إلا أن العلم مازال يخرج مُنتصِراً على مستوى العقل والمنطق ,
وما زال العلم يتابع طريقة بلا هوادة , ويُقدم للبشرية ما لم تحلم بة يوماً ,
 ولا يستطيع الدين أن يُنكِر ما توصل له العلم وما قدمة من فوائد للبشرية .

- " كان فى كليتى بروفيسور مسن ,
 وكان شديد الحماس فيما يتعلق بنظرية معينة لمدة من السنوات ,
وفى يوم ما زار الجامعة باحث أمريكى , وقام بدحض فرضية بروفيسورنا العجوز بشكل كامل ,
حينها سار الرجل المسن الى المنصة , وصافح الباحث قائلاً :-
أريد أن أشكرك يا رفيقى العزيز , لقد كنت مُخطئاً طوال 15 عاماً "
- ريتشارد دوكنز 

هذا هو طريق العلم , طريق يعترف بالخطأ ولا يعتبر ما توصل الية حقيقة مطلقة لا تقبل الجدال ,
 طريق لا يعترف إلا بما يتفق مع التفكير العقلانى ولا يقبل ما يُنافى العقل والمنطق ,
وهناك طريق الدين , الطريق السهل الذى لا يهتم بإجهاد العقل ,
 طريق القوى الخارقة للطبيعة , وللعقل القُدرَة على تقرير أى طريقاً يَسلُك .